الجيش الإسرائيلي يأمر بإخلاء شمال غزة ويُعلن مقتل قيادي بارز في حماس: تصعيد جديد في الصراع

الجيش الإسرائيلي يأمر بإخلاء شمال غزة ويُعلن مقتل قيادي بارز في حماس: تصعيد جديد في الصراع

في تصعيد جديد ومفاجئ للصراع الممتد منذ أكثر من عشرين شهرًا، أصدر الجيش الإسرائيلي صباح يوم الأحد، الموافق 29 يونيو 2025، أوامر إخلاء “فورية” لمناطق واسعة في شمال قطاع غزة، مهددًا بتكثيف عملياته العسكرية وتوسيعها. يتزامن هذا التطور الميداني الخطير مع إعلان إسرائيل عن اغتيال حكم محمد عيسى العيسى، الذي وصفته بأنه أحد مؤسسي حركة حماس وقيادي بارز في جناحها العسكري. هذه الأحداث المتزامنة لا تزيد فقط من حدة التوتر في المنطقة، بل تضع المدنيين في غزة أمام واقع إنساني يزداد قتامة، وتثير تساؤلات عميقة حول مستقبل الصراع والجهود الدولية المتعثرة للتوصل إلى تهدئة. يهدف هذا المقال إلى تقديم تحليل شامل وعميق لهذه التطورات، مستندًا إلى أحدث المعلومات من مصادر موثوقة، لفهم أبعادها العسكرية والسياسية والإنسانية، وتأثيراتها المحتملة على مسار الحرب ومستقبل قطاع غزة.


أوامر الإخلاء: إنذار بـ”عاصفة نار” جديدة

مع الساعات الأولى من صباح الأحد، فوجئ سكان مناطق متعددة في شمال قطاع غزة برسائل نصية ومنشورات ألقاها الجيش الإسرائيلي من الجو، تحمل تحذيرًا صارمًا. دعا المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، أفيخاي أدرعي، في بيان رسمي، جميع المتواجدين في مدينة غزة، وجباليا، وأحياء الزيتون الشرقي، والبلدة القديمة، والتركمان، والجديدة، والتفاح، والدرج، والصبرة، ومعسكر جباليا، ومناطق أخرى، إلى الإخلاء الفوري والتوجه جنوبًا نحو منطقة المواصي، التي سبق وصنفتها إسرائيل كـ”منطقة إنسانية”.

لم يترك البيان مجالًا للشك حول نوايا الجيش، حيث أكد أن القوات الإسرائيلية “تعمل بقوة شديدة جدًا في هذه المناطق”، وأن “الأعمال العسكرية سوف تتصاعد وتشتد وتمتد غربًا إلى مركز المدينة”. الهدف المعلن هو “تدمير قدرات المنظمات الإرهابية”، وهو مصطلح تستخدمه إسرائيل للإشارة إلى حركة حماس والفصائل الفلسطينية الأخرى. يأتي هذا الإنذار بعد أسابيع من هدوء نسبي في جبهة الشمال، مما يثير مخاوف من أن تكون المنطقة على أعتاب مرحلة جديدة من القتال العنيف، على غرار ما شهدته في بداية الحرب.

الواقع أن تكرار أوامر الإخلاء يسلط الضوء على استراتيجية إسرائيلية ثابتة تهدف إلى تفريغ مناطق محددة من سكانها قبل شن هجمات واسعة. لكن هذه الاستراتيجية تواجه انتقادات دولية وحقوقية واسعة، حيث يؤكد مسؤولون في الأمم المتحدة ومنظمات إغاثية أنه لا يوجد مكان آمن في غزة. منطقة المواصي نفسها، التي يُطلب من النازحين التوجه إليها، تعرضت للقصف في السابق، وهي تعاني بالفعل من اكتظاظ سكاني هائل ونقص حاد في أبسط مقومات الحياة من ماء وغذاء ودواء ومأوى.


اغتيال حكم العيسى: ضربة لقيادة حماس التاريخية

بالتزامن مع التهديدات العسكرية في الشمال، أعلنت إسرائيل عن تحقيق ما وصفته بـ”إنجاز استخباراتي وعملياتي كبير”. فقد أكد الجيش الإسرائيلي وجهاز الأمن العام (الشاباك) في بيان مشترك، مساء السبت، اغتيال حكم محمد عيسى العيسى في غارة جوية استهدفته في حي الصبرة بمدينة غزة يوم الجمعة.

ووفقًا للبيان الإسرائيلي، فإن العيسى لم يكن مجرد قائد ميداني، بل شخصية محورية وتاريخية في بنية حماس. ووصفه البيان بأنه “أحد مؤسسي حركة حماس”، وشغل مناصب رفيعة في جناحها العسكري، “كتائب القسام”، بما في ذلك رئاسة مركز الدعم القتالي واللوجستي، وعضويته في المجلس الأمني العام للحركة. الأهم من ذلك، اتهمته إسرائيل بلعب “دور مهم في التخطيط والتنفيذ” لهجوم السابع من أكتوبر 2023، الذي أشعل شرارة الحرب الحالية.

كما أشار الجيش إلى أن العيسى كان يعمل في الفترة الأخيرة على “إعادة بناء الأنظمة التنظيمية لحماس التي تضررت خلال الحرب”، مما يجعله هدفًا استراتيجيًا لإسرائيل التي تسعى لتفكيك قدرات الحركة على إعادة تنظيم صفوفها. واعتبر البيان أن مقتله يمثل “ضربة كبيرة” للبنية القيادية العسكرية للحركة، مشيرًا إلى أنه كان من “آخر القادة العسكريين الكبار المتبقين في قطاع غزة الذين شغلوا مناصب قيادية منذ ما قبل هجوم 7 أكتوبر”. حتى الآن، لم يصدر تعليق رسمي من حركة حماس على إعلان إسرائيل، وهو ما يترك الباب مفتوحًا أمام التكهنات حول التأثير الفعلي لغيابه على تماسك الحركة وقدراتها العملياتية.


السياق السياسي والميداني: بين ضغوط الداخل وجهود الخارج

تأتي هذه التطورات في وقت حرج على الصعيدين السياسي والميداني. داخليًا، يواجه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ضغوطًا متزايدة من شركائه في الائتلاف الحكومي اليميني المتطرف الذين يطالبون بتصعيد العمليات العسكرية وتحقيق “نصر حاسم” على حماس، رافضين أي صفقة قد لا تلبي جميع شروطهم. في المقابل، هناك ضغط من عائلات الرهائن وقطاعات واسعة من الشارع الإسرائيلي للتوصل إلى اتفاق يعيد أبناءهم المحتجزين في غزة.

على الصعيد الخارجي، تتواصل الجهود الدبلوماسية، وإن بدت متعثرة. اللافت في هذا السياق هو التصريحات الصادرة عن الرئيس الأمريكي السابق والحالي دونالد ترامب، الذي دعا بشكل مفاجئ إلى “إبرام اتفاق غزة، واستعادة الرهائن”، وهو ما فسره البعض على أنه ضغط غير مباشر على نتنياهو لإنهاء الحرب. ونقلت وسائل إعلام إسرائيلية عن مسؤولين عسكريين قولهم إنهم سيبلغون المستوى السياسي بأن العملية البرية في غزة أوشكت على الانتهاء، وأن توسيعها قد يعرض حياة الرهائن المتبقين للخطر.

هذا التجاذب بين الرغبة في التصعيد العسكري والضغوط من أجل صفقة، يضع القيادة الإسرائيلية أمام خيارات صعبة. وقد يكون التصعيد الأخير في الشمال محاولة من الجيش لتحسين شروط التفاوض، أو استجابة لضغوط اليمين المتطرف، أو كليهما معًا.


الوضع الإنساني: الكارثة تتعمق

بعيدًا عن الحسابات السياسية والعسكرية، يبقى المدنيون في غزة هم من يدفعون الثمن الأكبر. الأرقام التي تعلنها وزارة الصحة في غزة بشكل شبه يومي ترسم صورة مروعة للواقع. فقبل يوم واحد من أوامر الإخلاء الجديدة، أعلنت الوزارة عن استشهاد 81 فلسطينيًا وإصابة 422 آخرين خلال 24 ساعة فقط نتيجة الغارات الإسرائيلية. وأفاد الدفاع المدني في غزة بمقتل 37 شخصًا، بينهم تسعة أطفال، في ضربات إسرائيلية يوم السبت.

النزوح المتكرر فاقم من معاناة السكان، الذين يعيشون في ظروف مأساوية، حيث تنتشر الأمراض وتتفاقم أزمة الجوع. وحذرت منظمات دولية مرارًا من أن القطاع على شفا مجاعة شاملة، خاصة في مناطق الشمال التي أصبحت شبه معزولة عن المساعدات الإنسانية. أوامر الإخلاء الجديدة ستؤدي حتمًا إلى زيادة الضغط على المناطق الجنوبية المكتظة أصلًا، وستجعل من مهمة توزيع المساعدات الشحيحة أمرًا شبه مستحيل. إن استمرار تدمير البنية التحتية، بما في ذلك المستشفيات والمخابز ومحطات تحلية المياه، يعني أن الكارثة الإنسانية في غزة لا تتجه نحو الانفراج، بل نحو المزيد من التعمق والتعقيد.


الخاتمة

إن تزامن أوامر الإخلاء الواسعة في شمال غزة مع الإعلان عن اغتيال قيادي بارز في حماس، يمثل نقطة تحول قد تدفع الصراع إلى مرحلة جديدة أكثر عنفًا ودموية. فمن ناحية، تعكس هذه الخطوات إصرارًا إسرائيليًا على تحقيق أهدافها العسكرية المعلنة، المتمثلة في تفكيك حماس، مهما كان الثمن الإنساني والسياسي. ومن ناحية أخرى، تكشف هذه التطورات عن عمق الأزمة التي وصلت إليها جهود الوساطة الدولية، وعن حجم الفجوة بين مواقف الطرفين.

في قلب هذه العاصفة، يقف أكثر من مليوني فلسطيني في غزة، يواجهون الموت والدمار والجوع والتهجير. إن التحذيرات من “تصعيد” العمليات العسكرية في منطقة مدمرة أصلًا، تعني المزيد من المعاناة والموت للمدنيين. وأمام هذا الواقع، يبدو العالم عاجزًا عن فرض إرادته لوقف نزيف الدم، مما يترك مستقبل غزة وسكانها معلقًا بخيوط واهنة، بين مطرقة العمليات العسكرية وسندان الأزمة الإنسانية التي لا ترحم.


أسئلة شائعة (FAQs)

1. ما هي المناطق الجديدة التي طلب الجيش الإسرائيلي إخلاءها في شمال غزة؟
طلب الجيش الإسرائيلي إخلاء مناطق واسعة تشمل مدينة غزة، وجباليا، وأحياء الزيتون الشرقي، والبلدة القديمة، والتركمان، والتفاح، والدرج، والصبرة، ومعسكر جباليا، ومناطق أخرى، والتوجه إلى منطقة المواصي جنوبًا.

2. من هو حكم العيسى الذي أعلنت إسرائيل عن اغتياله؟
حكم العيسى هو قيادي بارز وأحد مؤسسي حركة حماس، شغل مناصب مهمة في جناحها العسكري “كتائب القسام”. اتهمته إسرائيل بلعب دور محوري في التخطيط لهجوم 7 أكتوبر 2023.

3. لماذا يصعد الجيش الإسرائيلي عملياته في الشمال الآن؟
أعلن الجيش الإسرائيلي أن التصعيد يهدف إلى “تدمير قدرات المنظمات الإرهابية” المتبقية في الشمال. ويأتي هذا في سياق ضغوط سياسية داخلية في إسرائيل لمواصلة الحرب وتحقيق نصر حاسم.

4. ما هو الوضع الإنساني في المناطق التي صدرت بشأنها أوامر الإخلاء؟
هذه المناطق، كباقي أنحاء شمال غزة، تعاني من دمار هائل ونقص حاد في الغذاء والماء والخدمات الطبية. عملية الإخلاء الجديدة ستزيد من تفاقم الكارثة الإنسانية وتزيد الضغط على المناطق الجنوبية المكتظة بالنازحين.