البنتاغون: ضربات إيران ليست لتغيير النظام.. تصعيد نووي أم احتواء؟

البنتاغون: ضربات إيران ليست لتغيير النظام.. تصعيد نووي أم احتواء؟

مقدمة: شرق أوسط على صفيح ساخن

في ظل تصاعد التوترات الإقليمية التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط، يبرز التفاعل بين الولايات المتحدة وإيران كأحد أبرز محددات المشهد الجيوسياسي. ومع كل تطور جديد، تتزايد التساؤلات حول أبعاد هذه العلاقة المعقدة ومآلاتها. لم يكد العالم يلتقط أنفاسه من سلسلة الأحداث المتسارعة، حتى جاءت الأنباء عن ضربات عسكرية أمريكية استهدفت مواقع داخل إيران، لتضيف طبقة جديدة من التعقيد إلى هذا الملف الشائك. ما الذي تسعى إليه واشنطن حقًا من وراء هذه التحركات؟ وهل هذه الضربات مقدمة لتحول شامل في السياسة الأمريكية تجاه طهران، أم أنها تكتيك يهدف إلى تحقيق أهداف محددة دون السعي لتغيير النظام؟ هذا التساؤل أصبح محور النقاش في الأوساط السياسية والإعلامية، لا سيما بعد تصريحات وزير الدفاع الأمريكي، بيت هيغسيث، التي أكدت أن الولايات المتحدة لا تسعى إلى تغيير النظام في إيران. هذه المقالة تستكشف خلفيات هذه الضربات، ودوافع واشنطن المعلنة، وتداعياتها المحتملة على المنطقة، مع التركيز على فهم أعمق للاستراتيجية الأمريكية تجاه طهران.


الضربات الأخيرة: استهداف القدرات النووية لا تغيير النظام

شهد يوم الأحد، 22 يونيو 2025، تصعيدًا عسكريًا لافتًا في العلاقات الأمريكية-الإيرانية، حيث نفذت الولايات المتحدة ضربات جوية على ثلاثة مواقع نووية إيرانية استراتيجية هي: فوردو، ونطنز، وأصفهان. هذه الضربات، التي جاءت بعد أيام من عمليات عسكرية إسرائيلية سابقة استهدفت منشآت نووية إيرانية، تمثل تدخلاً أمريكيًا مباشرًا في الجهود الرامية إلى تعطيل البرنامج النووي الإيراني.

عقب هذه العمليات، خرج وزير الدفاع الأمريكي، بيت هيغسيث، ليؤكد بوضوح أن هذه الضربات “لم تكن ولن تكون” موجهة نحو تغيير النظام في طهران. وأشار هيغسيث، في إيجاز صحفي بالبنتاغون، إلى أن الهدف الوحيد لهذه العمليات هو “تدمير البرنامج النووي الإيراني”. وقد شدد على أن الضربات لم تستهدف القوات الإيرانية أو الشعب الإيراني، في محاولة لتبديد المخاوف من تصعيد واسع النطاق ولإرسال رسالة إلى طهران مفادها أن واشنطن لا تسعى إلى حرب شاملة أو طويلة الأمد. ورافق هيغسيث في هذا الإيجاز رئيس هيئة الأركان المشتركة الأمريكية، الجنرال دان كين، الذي قدم تفاصيل حول “عملية مطرقة منتصف الليل”، مشيرًا إلى أنها تضمنت إجراءات خداع وتمويه ولم تواجه مقاومة إيرانية.

تأتي هذه التصريحات لترسم خطًا فاصلاً بين سياسة الضغط العسكري والاستراتيجيات الرامية إلى الإطاحة بالحكومات. فمن منظور واشنطن، يبدو أن التركيز ينصب على مواجهة التهديدات المحددة التي يمثلها البرنامج النووي الإيراني، بالإضافة إلى أنشطة إيران الإقليمية التي تعتبرها الولايات المتحدة مزعزعة للاستقرار. هذه الضربات تندرج ضمن ما وصفه هيغسيث بـ”الإجراءات المحدودة عمداً”، والتي لا تقيد، حسب قوله، قدرة الولايات المتحدة على الرد إذا لزم الأمر لحماية مصالحها وقواتها في المنطقة.


الدوافع الأمريكية: احتواء نووي وتأمين إقليمي

تتعدد الدوافع التي تقف وراء السياسة الأمريكية تجاه إيران، وتتشابك بين الأهداف الأمنية والاستراتيجية الإقليمية والدولية. في صميم هذه الدوافع، يبرز الهدف المعلن للولايات المتحدة بكبح جماح البرنامج النووي الإيراني. ترى واشنطن أن امتلاك إيران لسلاح نووي يمثل تهديدًا وجوديًا لحلفائها في المنطقة، وخاصة إسرائيل، كما أنه قد يؤدي إلى سباق تسلح نووي في منطقة شديدة الاضطراب. لذا، فإن استهداف المنشآت النووية يأتي في سياق منع طهران من تطوير قدرات نووية عسكرية.

إضافة إلى ذلك، تلعب الأنشطة الإقليمية لإيران دورًا محوريًا في تشكيل السياسة الأمريكية. فدعم إيران للميليشيات والوكلاء في دول مثل العراق وسوريا ولبنان واليمن، والذي غالبًا ما يؤدي إلى زعزعة الاستقرار الإقليمي وتهديد المصالح الأمريكية وحلفائها، يمثل مصدر قلق كبير لواشنطن. الهجمات المتكررة التي تشنها هذه الجماعات على القوات الأمريكية ومصالحها في المنطقة، لا سيما في العراق وسوريا، تدفع الولايات المتحدة إلى اتخاذ إجراءات “ردع” أو “انتقامية” بهدف إضعاف هذه القدرات أو ردع المزيد من الهجمات. على سبيل المثال، فإن تهديد الحوثيين في اليمن للسفن في البحر الأحمر، المرتبط بدعم إيراني، دفع الولايات المتحدة إلى اتخاذ إجراءات لحماية حرية الملاحة، على الرغم من تأكيد وزير الدفاع الأمريكي هيغسيث على أن الولايات المتحدة لا تتدخل في الحرب الأهلية اليمنية بشكل عام.

كما تسعى الولايات المتحدة إلى حماية أمن إسرائيل، التي تعتبر حليفًا استراتيجيًا رئيسيًا في المنطقة. الضربات الأخيرة على المواقع النووية الإيرانية، والتي تزامنت مع هجمات إسرائيلية سابقة، تشير إلى وجود تنسيق أو دعم أمريكي للجهود الإسرائيلية لاحتواء التهديد النووي الإيراني. أكد الرئيس الأمريكي في عدة مناسبات أن “الولايات المتحدة ستظل ملتزمة بأمن إسرائيل”، وأن هذه الالتزامات تشمل القدرة على الرد على التهديدات الإيرانية.

على الرغم من طبيعة الضربات العسكرية، إلا أن هناك تأكيدًا أمريكيًا مستمرًا على أن واشنطن تفضل الحلول الدبلوماسية. يشير وزير الدفاع الأمريكي إلى أن “القنوات المفتوحة” بين الولايات المتحدة وإيران موجودة، وأن هناك “رسائل عامة وخاصة” يتم تسليمها لطهران لمنحها “كل فرصة للجلوس إلى طاولة المفاوضات”. هذا يؤكد أن الضغط العسكري قد يكون جزءًا من استراتيجية أوسع تهدف إلى دفع إيران نحو الدبلوماسية، بدلاً من أن يكون هدفًا في حد ذاته لتغيير النظام. الاستقرار الإقليمي، وإن كان يبدو متناقضًا مع الضربات العسكرية، هو هدف طويل الأمد للسياسة الأمريكية التي تسعى إلى منع نشوب صراع إقليمي أوسع قد يزعزع أسواق الطاقة العالمية ويهدد التجارة الدولية.


ردود الفعل: إدانة، قلق، وتأييد

أثارت الضربات الأمريكية الأخيرة على المنشآت النووية الإيرانية موجة واسعة من ردود الفعل الدولية والإقليمية، تراوحت بين الإدانة والقلق والتأييد، مما يعكس حساسية الوضع وتعقيداته الجيوسياسية.

على الصعيد الإقليمي، جاءت ردود الفعل متباينة. أعربت كل من العراق وقطر وعُمان عن قلقها البالغ إزاء التصعيد، ودعت جميع الأطراف إلى ضبط النفس وتجنب أي خطوات من شأنها أن تؤدي إلى تفاقم الأوضاع في المنطقة. حذرت هذه الدول من أن استمرار التصعيد العسكري قد يهدد الاستقرار الهش بالفعل في الشرق الأوسط، ويهدد الأمن والسلم الدوليين. وأشارت الحكومة العراقية إلى أن التصعيد العسكري يشكل “تهديدًا خطيرًا للسلام والأمن في الشرق الأوسط”، ودعت إلى “جهود دبلوماسية لتهدئة الأزمة”. بينما أعربت المملكة العربية السعودية عن “قلقها العميق”، لكنها لم تذهب إلى حد الإدانة الصريحة، داعيةً إلى “بذل كل الجهود الممكنة لممارسة ضبط النفس وتخفيف التوترات وتجنب المزيد من التصعيد”.

على الجانب الآخر، رحبت إسرائيل بالضربات الأمريكية، حيث وصفها رئيس الوزراء الإسرائيلي بأنها “خطوة جريئة” من الولايات المتحدة لدعم أمن إسرائيل والبشرية جمعاء. واعتبر القادة الإسرائيليون أن هذه الضربات تأتي في إطار الجهود المشتركة للقضاء على ما وصفوه بـ”التهديد الوجودي” الذي يمثله البرنامج النووي الإيراني.

دولياً، كانت ردود الفعل الأوروبية أكثر حذرًا. عبرت فرنسا عن “قلقها” من الضربات الأمريكية، مؤكدة أنها لم تكن جزءًا منها، ودعت الأطراف إلى “ممارسة ضبط النفس لتجنب أي تصعيد يمكن أن يؤدي إلى اتساع نطاق الصراع”. وفي المملكة المتحدة، قدم رئيس الوزراء دعمًا مشروطًا للضربات، مشددًا على أن “إيران لا يمكن أن يُسمح لها أبدًا بتطوير سلاح نووي”، لكنه حث في الوقت نفسه على العودة إلى الدبلوماسية.

من جانبها، أدانت روسيا الضربات الأمريكية بشدة، ووصفتها بأنها “غير مسؤولة” وتشكل “انتهاكًا للقانون الدولي”، محذرةً من أنها ستزيد بشكل كبير من مخاطر حرب أوسع نطاقًا في الشرق الأوسط. كما أعرب الأمين العام للأمم المتحدة عن “قلقه البالغ” إزاء استخدام الولايات المتحدة للقوة، مشددًا على أنه “لا يوجد حل عسكري” وأن السبيل الوحيد للمضي قدمًا هو الدبلوماسية. هذه المواقف تعكس المخاوف العالمية من تحول الصراع إلى مواجهة إقليمية أو دولية أوسع.


استراتيجية واشنطن في الشرق الأوسط: توازن دقيق بين الردع والدبلوماسية

تاريخيًا، اتسمت السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط بالتعقيد والتعددية في الأهداف، حيث تتوازن بين تأمين مصادر الطاقة، ودعم حلفاء واشنطن، ومكافحة الإرهاب، واحتواء النفوذ الإيراني. في سياق الضربات الأخيرة على المواقع النووية الإيرانية، تظهر استراتيجية واشنطن كعملية توازن دقيقة بين الردع العسكري والمساعي الدبلوماسية.

الهدف الأساسي، كما أشار وزير الدفاع الأمريكي بيت هيغسيث، ليس الإطاحة بالنظام الإيراني، بل “تحييد” قدراته النووية العسكرية ومنعه من امتلاك سلاح نووي. هذا التمييز مهم، فهو يشير إلى أن الولايات المتحدة تسعى لتغيير سلوك إيران وليس تغيير نظامها السياسي. هذا النهج يهدف إلى تجنب حرب واسعة النطاق في منطقة تعاني بالفعل من عدم الاستقرار، ويسعى إلى إبقاء الباب مفتوحًا أمام الحلول الدبلوماسية في المستقبل، حتى في ظل التوتر المتصاعد.

تعتمد واشنطن على استراتيجية “الضغط الأقصى” التي تتضمن العقوبات الاقتصادية والتحركات العسكرية المحدودة، بهدف إجبار طهران على العودة إلى طاولة المفاوضات بشأن برنامجها النووي وأنشطتها الإقليمية. الرسائل التي أكد هيغسيث إرسالها إلى إيران عبر قنوات متعددة، علنية وسرية، تؤكد هذا السعي الدبلوماسي حتى في ظل التصعيد العسكري. فالولايات المتحدة تدرك أن تغيير النظام بالقوة قد يؤدي إلى فراغ أمني أو فوضى قد تكون لها عواقب وخيمة على المنطقة والعالم، لذا تفضل التركيز على تغيير السياسات الإيرانية التي تعتبرها تهديدًا.

كما تشمل الاستراتيجية الأمريكية الحفاظ على تواجد عسكري قوي في المنطقة لحماية القوات والمصالح الأمريكية وحلفائها، وردع أي هجمات محتملة من قبل إيران أو وكلائها. هذا التواجد، بالإضافة إلى التدريبات المشتركة والتعاون الأمني مع دول الخليج وإسرائيل، يرسخ التزام واشنطن بأمن المنطقة.

على الرغم من التحديات، فإن واشنطن تسعى جاهدة لتجنب “الحرب الأبدية” في الشرق الأوسط، وهو مبدأ أكد عليه العديد من المسؤولين الأمريكيين. الضربات “المحدودة” تعكس هذا التوجه، حيث تهدف إلى إرسال رسالة قوية دون التورط في صراع مفتوح. يبقى التحدي الرئيسي لواشنطن هو تحقيق توازن بين حماية مصالحها وردع التهديدات، مع تجنب التصعيد غير المنضبط الذي قد يدفع المنطقة إلى هاوية الصراع الشامل. إن الحوار المستمر، حتى في أوقات الأزمات، يبقى أداة حيوية في هذه الاستراتيجية المعقدة.


الخلاصة: الطريق الشائك نحو الاستقرار

تؤكد الضربات العسكرية الأمريكية الأخيرة على المنشآت النووية الإيرانية، والتصريحات المصاحبة لوزير الدفاع الأمريكي بيت هيغسيث، الطبيعة المعقدة والمتعددة الأوجه للسياسة الأمريكية في الشرق الأوسط. يتضح أن واشنطن تسعى إلى احتواء القدرات النووية الإيرانية وتقويض نفوذ وكلائها في المنطقة، دون الانجراف نحو هدف تغيير النظام في طهران. هذا التمييز يعكس رغبة في تجنب صراع إقليمي أوسع قد تكون له تبعات كارثية، والتركيز بدلاً من ذلك على الضغط الموجه والردع الدبلوماسي.

بينما أثارت هذه التحركات إدانات من بعض الدول وقلقًا من تصعيد محتمل، إلا أنها حظيت بتأييد حلفاء رئيسيين مثل إسرائيل، مما يسلط الضوء على الانقسامات العميقة في المنطقة. يبقى التحدي الرئيسي للولايات المتحدة وإيران هو كيفية إدارة هذا التوتر المتصاعد بطريقة تمنع الانزلاق إلى مواجهة شاملة، مع الحفاظ على قنوات الاتصال مفتوحة، مهما كانت هشة. إن استقرار الشرق الأوسط مرهون بقدرة الأطراف الفاعلة على إيجاد توازن بين حماية مصالحها والسعي نحو حلول دبلوماسية، بعيدًا عن شبح الحرب الشاملة التي لا يستطيع أحد تحمل تكلفتها.


أسئلة شائعة (FAQs)

س1: ما هو الهدف المعلن للضربات الأمريكية الأخيرة على إيران؟ ج1: الهدف المعلن هو تعطيل أو تدمير البرنامج النووي الإيراني، وليس تغيير النظام في طهران.

س2: من هو وزير الدفاع الأمريكي الذي أدلى بهذه التصريحات؟ ج2: وزير الدفاع الأمريكي هو بيت هيغسيث.

س3: هل تسعى الولايات المتحدة لتغيير النظام في إيران؟ ج3: لا، أكدت الولايات المتحدة مرارًا أنها لا تسعى إلى تغيير النظام في إيران من خلال هذه الضربات.

س4: ما هي ردود الفعل الإقليمية على هذه الضربات؟ ج4: تباينت ردود الفعل، فبينما أدانت بعض الدول مثل العراق وعُمان وقطر التصعيد ودعت لضبط النفس، رحبت إسرائيل بالخطوة الأمريكية.

س5: ما هي المواقع النووية الإيرانية التي استهدفتها الضربات الأمريكية؟ ج5: استهدفت الضربات الأمريكية مواقع نووية في فوردو ونطنز وأصفهان.


المصادر الموثوقة

  1. PBS Newshour: WATCH: Hegseth and Caine hold Pentagon news briefing after U.S. strikes on Iran nuclear sites. (June 22, 2025). https://www.pbs.org/newshour/politics/watch-hegseth-and-caine-hold-pentagon-news-briefing-after-u-s-strikes-on-iran-nuclear-sites
  2. Al Jazeera: Senior Trump officials say US attacks on Iran ‘not about regime change’. (June 22, 2025). https://www.aljazeera.com/news/2025/6/22/senior-trump-officials-say-us-attacks-on-iran-not-about-regime
  3. The Economic Times: After US strike, Iran’s ‘all-out war’ warning puts US forces in Bahrain on edge: What comes next? (June 22, 2025). https://m.economictimes.com/news/defence/after-us-strike-irans-all-out-war-warning-puts-us-forces-in-bahrain-on-edge-what-comes-next/articleshow/122005802.cms
  4. CBS News: U.S. strikes on Iran nuclear facilities see Hamas and the Houthis vow retaliation, as world leaders react. (June 22, 2025). https://www.cbsnews.com/news/us-strikes-iran-nuclear-sites-world-reaction-israel-hamas-houthis/