تحذير آبل الخطير: هجمات تجسس تهدد آيفون في 100 دولة!

 تحذير آبل الخطير: هجمات تجسس تهدد آيفون في 100 دولة!

في خطوة أثارت قلقاً واسعاً في مجتمع الأمن السيبراني ومستخدمي منتجاتها، أرسلت شركة آبل العملاقة مؤخراً إخطارات تحذيرية لمستخدمي هواتف آيفون في ما يقرب من 100 دولة حول العالم. التحذير، الذي تم إرساله عبر البريد الإلكتروني ورسائل iMessage، ينبه المستخدمين إلى احتمالية استهدافهم بـ “هجمات برامج تجسس مرتزقة” متطورة للغاية. هذه ليست المرة الأولى التي تصدر فيها آبل مثل هذه التحذيرات، لكن النطاق الجغرافي الواسع لهذه الجولة الأخيرة – التي تلت تحذيراً مشابهاً شمل 92 دولة في أبريل 2024 – يبرز خطورة التهديد المتزايد. يستهدف هذا المقال تحليل طبيعة هذه الهجمات، وفهم من هم “المرتزقة” الرقميون، وتقديم إرشادات عملية لمستخدمي آيفون، وخاصة في العالم العربي، لحماية أجهزتهم وبياناتهم الحساسة في مواجهة هذا الخطر المتطور والمستمر.


تفاصيل التحذير الأخير من آبل

في يوليو 2024، تلقى عدد غير محدد من مستخدمي آيفون في 98 دولة رسالة مباشرة من آبل تحمل تحذيراً جدياً. نص الرسالة، كما ورد في تقارير متعددة واطلع عليها صحفيون وناشطون، كان واضحاً: “اكتشفت آبل أنك مستهدف بهجوم من برمجيات تجسس يستخدمها المرتزقة تحاول اختراق هاتف آيفون المقترن بحسابك في آبل عن بُعد”. وأضافت آبل في رسالتها أن هذا الهجوم “يُحتمل أن يستهدفك على وجه التحديد بسبب هويتك أو ما تفعله”. مع التأكيد على ثقتها العالية في صحة هذا التحذير، حثت آبل المستخدمين المتأثرين على أخذ الأمر على محمل الجد.

تأتي هذه الموجة من التحذيرات بعد موجة مماثلة في أبريل 2024 شملت مستخدمين في 92 دولة. وتواصل آبل إرسال مثل هذه الإخطارات بشكل دوري منذ عام 2021، حيث قامت حتى الآن بإخطار مستخدمين في أكثر من 150 دولة حول العالم cumulatively.

نقطة مهمة يجب التأكيد عليها هي أن آبل تعمدت عدم الكشف عن هوية المهاجمين أو الدول التي يتواجد فيها المستخدمون المستهدفون. كما أنها لم تفصح عن الآليات الدقيقة التي استخدمتها لاكتشاف هذه الهجمات، مبررة ذلك بأن الكشف عن تفاصيل أكثر قد يساعد المهاجمين على تكييف أساليبهم وتجنب الاكتشاف في المستقبل. واكتفت بالقول إنها تعتمد على “المعلومات والتحقيقات الداخلية الخاصة بالتهديدات الاستخباراتية للكشف عن مثل تلك الهجمات”.


ما هي برامج التجسس المرتزقة؟

المصطلح الذي استخدمته آبل – “برامج تجسس مرتزقة” (Mercenary Spyware) – يشير إلى أدوات تجسس رقمية متطورة للغاية يتم تطويرها وبيعها من قبل شركات خاصة لجهات أخرى، غالباً ما تكون حكومات أو وكالات استخباراتية. هذه البرامج تختلف جذرياً عن البرمجيات الخبيثة التقليدية أو فيروسات الفدية التي تستهدف عامة المستخدمين بهدف السرقة المالية أو تعطيل الأنظمة.

برامج التجسس المرتزقة، وأشهرها برنامج “بيغاسوس” (Pegasus) الذي طورته شركة NSO Group الإسرائيلية، مصممة للتسلل خلسة إلى الأجهزة المحمولة (مثل آيفون وأندرويد) ومنح المهاجم سيطرة شبه كاملة على الجهاز. بمجرد اختراق الهاتف، يمكن لهذه البرامج:

  • الوصول إلى جميع البيانات المخزنة: الرسائل النصية، رسائل البريد الإلكتروني، الصور، مقاطع الفيديو، سجلات المكالمات، جهات الاتصال، كلمات المرور، بيانات الموقع الجغرافي.

  • التنصت على الاتصالات: تسجيل المكالمات الهاتفية والمحادثات التي تتم عبر تطبيقات المراسلة المشفرة مثل واتساب وسيغنال.

  • تفعيل الكاميرا والميكروفون عن بعد: للتسجيل سراً دون علم المستخدم.

  • تتبع الموقع الجغرافي للجهاز في الوقت الفعلي.

ما يميز هذه البرامج هو تكلفتها الباهظة التي قد تصل إلى ملايين الدولارات، وتعقيدها التقني الذي يعتمد غالبًا على استغلال ثغرات أمنية غير مكتشفة (Zero-day vulnerabilities) في أنظمة التشغيل أو التطبيقات. هذا التعقيد والتكلفة يعنيان أن هذه الهجمات ليست عشوائية، بل هي موجهة بدقة شديدة نحو أفراد محددين تعتبرهم الجهة المشغلة للبرنامج أهدافاً ذات قيمة عالية. وعادة ما يكون هؤلاء الأفراد من الصحفيين، النشطاء الحقوقيين، المعارضين السياسيين، المحامين، الدبلوماسيين، أو رجال الأعمال البارزين.


لماذا الآن؟ وما هي الدوافع المحتملة؟

توقيت إصدار التحذيرات الأخيرة من آبل (في أبريل ويوليو 2024) يأتي في سياق عالمي مضطرب يشهد توترات جيوسياسية وانتخابات في العديد من البلدان، مثل الهند التي ورد ذكرها تحديداً كأحد البلدان التي تلقى مستخدمون فيها هذه التحذيرات. تاريخياً، ارتبط استخدام برامج التجسس المرتزقة بمحاولات الحكومات والجهات الأمنية مراقبة المعارضين وقمع الأصوات المنتقدة وإسكات الصحافة المستقلة.

على الرغم من أن آبل لم تنسب الهجمات صراحة إلى جهات حكومية (حيث غيرت مصطلح “state-sponsored” إلى “mercenary spyware” في وثائق الدعم الخاصة بها)، إلا أن طبيعة هذه الهجمات – من حيث التكلفة والتعقيد والاستهداف الدقيق – تشير بقوة إلى تورط جهات فاعلة تمتلك موارد كبيرة ودوافع سياسية أو أمنية. يمكن أن تشمل الدوافع المحتملة وراء هذه الهجمات:

  • المراقبة السياسية: جمع معلومات استخباراتية عن نشاط المعارضين والنشطاء والصحفيين.

  • قمع المعارضة: ردع أو تخويف الأصوات المنتقدة والمستقلة.

  • التجسس الصناعي أو الاقتصادي: استهداف رجال أعمال أو مسؤولين للحصول على معلومات تجارية حساسة.

  • جمع الأدلة: في سياقات أمنية أو جنائية (وإن كان استخدامها في هذا الإطار يثير جدلاً قانونياً وأخلاقياً كبيراً).

من المهم ملاحظة أن مجرد تلقي إشعار التهديد من آبل لا يعني بالضرورة أن الجهاز قد تم اختراقه بالفعل، بل يعني أن محاولة اختراق قد تمت أو يتم التخطيط لها. تؤكد آبل أنها تثق بدرجة عالية في صحة تحذيراتها، لكن التأكيد النهائي للاختراق يتطلب تحليلاً جنائياً رقمياً متخصصاً.


كيف تحمي جهاز آيفون الخاص بك؟

في مواجهة هذه التهديدات المتقدمة، توصي آبل والمختصون بالأمن السيبراني باتخاذ مجموعة من الإجراءات الاحترازية، خاصة للمستخدمين الذين يعتقدون أنهم قد يكونون أهدافاً محتملة (مثل الصحفيين والنشطاء والمعارضين) أو أولئك الذين تلقوا إشعار التهديد مباشرة:

  1. تفعيل وضع الإغلاق (Lockdown Mode): هذه الميزة، التي قدمتها آبل كإجراء دفاعي متقدم، مصممة لتقليل “سطح الهجوم” بشكل كبير عن طريق تقييد وظائف معينة في الآيفون قد تكون عرضة للاستغلال من قبل برامج التجسس. عند تفعيل وضع الإغلاق، يتم تطبيق القيود التالية:

    • الرسائل: حظر معظم أنواع مرفقات الرسائل بخلاف الصور، وتعطيل بعض الميزات مثل معاينة الروابط.

    • تصفح الويب: تعطيل بعض تقنيات الويب المعقدة (مثل تجميع JavaScript في الوقت المناسب JIT)، مما قد يؤدي إلى تحميل بعض المواقع بشكل أبطأ أو عدم عملها بشكل صحيح.

    • خدمات آبل: حظر الدعوات الواردة وطلبات الخدمة، بما في ذلك مكالمات FaceTime، من الأشخاص الذين لم تتصل بهم مسبقاً.

    • الاتصالات السلكية: حظر الاتصالات السلكية بالكمبيوتر أو الملحقات عندما يكون الآيفون مقفلاً.

    • ملفات تعريف التكوين: لا يمكن تثبيت ملفات تعريف التكوين، ولا يمكن تسجيل الجهاز في إدارة الأجهزة المحمولة (MDM).

    لتفعيل وضع الإغلاق: اذهب إلى الإعدادات > الخصوصية والأمن > مرر للأسفل واختر “وضع الإغلاق” > اضغط على “تشغيل وضع الإغلاق”. ستحتاج إلى إعادة تشغيل الجهاز لتفعيل الوضع.

  2. التحديث الفوري لنظام التشغيل: التأكد من أن جهاز الآيفون وجميع تطبيقاته، خاصة تطبيقات المراسلة والتطبيقات السحابية، محدثة إلى آخر إصدار متاح. تقوم آبل بإصدار تحديثات أمنية بانتظام لسد الثغرات التي قد تستغلها برامج التجسس.

  3. الحذر الشديد من الروابط والمرفقات: تجنب النقر على روابط أو فتح مرفقات من مصادر غير معروفة أو غير موثوقة، حتى لو بدت مرسلة من جهات اتصال معروفة (فقد تكون حساباتهم مخترقة). هذه إحدى الطرق الشائعة لنشر البرمجيات الخبيثة.

  4. استخدام كلمات مرور قوية وفريدة والمصادقة الثنائية (2FA): حماية حساب Apple ID الخاص بك بكلمة مرور قوية وفريدة، وتفعيل المصادقة الثنائية كطبقة أمان إضافية.

  5. طلب المساعدة المتخصصة: إذا تلقيت إشعار تهديد من آبل أو كنت تعتقد أنك مستهدف بشكل كبير، توصي آبل بالاتصال بخبراء الأمن الرقمي. منظمات مثل “Access Now” عبر خط المساعدة للأمن الرقمي (Digital Security Helpline) تقدم دعماً مجانياً للصحفيين والنشطاء والمدافعين عن حقوق الإنسان. كما يقدم مختبر الأمن التابع لمنظمة العفو الدولية (Amnesty International’s Security Lab) دعماً للتحليل الجنائي الرقمي للمجتمع المدني.


الأهمية بالنسبة للمستخدمين في العالم العربي

يحمل تحذير آبل أهمية خاصة للمستخدمين في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. تاريخياً، كانت المنطقة مسرحاً لاستخدام برامج تجسس متطورة، بما في ذلك “بيغاسوس“، ضد صحفيين ونشطاء وشخصيات معارضة في عدة دول عربية. التقارير عن استهداف صحفيين في الهند باستخدام “بيغاسوس” بعد تلقيهم تحذيرات مشابهة من آبل في الماضي تبرز خطورة الوضع.

بالنظر إلى المناخ السياسي والأمني في العديد من دول المنطقة، فإن الصحفيين والمدافعين عن حقوق الإنسان والمدونين والنشطاء والمعارضين السياسيين يمثلون أهدافاً محتملة لمثل هذه الهجمات التجسسية. إن الوعي بالمخاطر واتخاذ خطوات استباقية لحماية الأجهزة والبيانات ليس مجرد إجراء تقني، بل هو ضرورة للحفاظ على السلامة الشخصية وحرية التعبير والخصوصية في بيئة رقمية تزداد تعقيداً وخطورة. يجب على المستخدمين في المنطقة، وخاصة أولئك الذين يعملون في مجالات حساسة أو يعبرون عن آراء تنتقد السلطات، أن يأخذوا تحذيرات آبل على محمل الجد وأن يطبقوا أعلى معايير الأمان الرقمي الممكنة.


الخلاصة

يمثل التحذير الأخير الذي أصدرته آبل لمستخدمي آيفون في حوالي 100 دولة تذكيراً قوياً بالتهديد المستمر والمتطور الذي تشكله برامج التجسس المرتزقة. هذه الهجمات، التي تتميز بالتعقيد الشديد والتكلفة الباهظة والاستهداف الدقيق، تشكل خطراً حقيقياً على خصوصية وأمن الأفراد المستهدفين، وخاصة الصحفيين والنشطاء والمعارضين حول العالم، بما في ذلك في المنطقة العربية.

بينما تعمل آبل على اكتشاف هذه الهجمات وتحذير المستخدمين منها، تقع المسؤولية النهائية على عاتق المستخدمين لاتخاذ الإجراءات اللازمة لحماية أنفسهم. ويشمل ذلك التحديث الفوري للأنظمة، والحذر من الروابط المشبوهة، واستخدام كلمات مرور قوية ومصادقة ثنائية، والأهم من ذلك، تفعيل “وضع الإغلاق” كخط دفاع إضافي للأشخاص الأكثر عرضة للخطر. إن الوعي بهذه المخاطر والاستعداد لمواجهتها هو الخطوة الأولى نحو بناء دفاعات رقمية أكثر صلابة في عالم يزداد فيه التجسس الرقمي تعقيداً وانتشاراً.


الأسئلة الشائعة (FAQs)

ما هو التحذير الذي أرسلته آبل مؤخراً؟
أرسلت آبل تحذيرات لمستخدمي آيفون في حوالي 100 دولة تنبههم إلى احتمالية استهدافهم بهجمات برامج تجسس مرتزقة متطورة تهدف لاختراق هواتفهم عن بعد.

من هم المستهدفون بهذه الهجمات؟
تستهدف هذه الهجمات عادةً أفراداً محددين بسبب هويتهم أو نشاطهم، مثل الصحفيين والنشطاء والسياسيين والمعارضين، وليس عامة المستخدمين.

ما هي برامج التجسس المرتزقة؟
هي أدوات تجسس رقمية متقدمة ومكلفة للغاية، تطورها شركات خاصة وتبيعها لجهات (غالباً حكومية) لاستهداف أفراد محددين والتسلل إلى أجهزتهم للوصول إلى بياناتهم ومراقبة اتصالاتهم. “بيغاسوس” هو المثال الأشهر.

كيف يمكنني حماية جهاز الآيفون الخاص بي؟
أهم الإجراءات هي: تحديث نظام iOS والتطبيقات باستمرار، تفعيل “وضع الإغلاق” إذا كنت تعتقد أنك هدف محتمل، الحذر من الروابط والمرفقات المشبوهة، استخدام كلمة مرور قوية ومصادقة ثنائية لحساب Apple ID.

هل كشفت آبل عن المهاجمين أو الدول المتأثرة؟
لا، لم تكشف آبل عن هوية المهاجمين أو قائمة الدول التي تم إرسال التحذيرات لمستخدمين فيها، وذلك لحماية طرق الكشف الخاصة بها ومنع المهاجمين من التكيف.